مقابلات مع سـمـوه - 29 نوفمبر, 2013
حوار محمد بن راشد مع مجلة درع الوطن
قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" - في حوار مع مجلة "درع الوطن" - إن الحفاظ على قمة النجاح أصعب من محاولة بلوغها لذا فإن ما وصلنا إليه من مكانة يحتم علينا استمرار العمل على تطوير قدراتنا ورفع كفاءاتنا وتنويع مواردنا ليس فقط للحفاظ على النجاحات التي بلغنا فيها مدى متقدماً ولكن للدخول إلى مرحلة تنموية جديدة.
وفي ما يلي نص الحوار:
السؤال الأول: تعيش دولة الإمارات العربية المتحدة بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة "حفظه الله"، منعطفاً مهماً على طريق التمكين السياسي وتعميق الممارسة الديمقراطية في الدولة استكمالاً لمرحلة التأسيس، بماذا تصفون سموكم هذا التطور السياسي المهم في حياة مستقبل الشعب والدولة، وما الرسالة التي تودون سموكم توجيهها إلى المجلس الوطني الاتحادي؟
محمد بن راشد: تميزت بلادنا بطموحها دائما نحو الأفضل وكان هذا الطموح من العوامل المؤثرة في تأسيس هذه الدولة، حيث كان السعي إلى إيجاد وطن موحد قوي قادر على مواجهة التحديات وتسخير مفردات الزمان والمكان للوصول إلى أرقى مستويات الرفعة لشعبنا، وجاء هذا الطموح مدعوماً بمقومات هيأت لنجاحه من أبرزها الطبيعة الخاصة للمجتمع الإماراتي؛ الذي اعتمد منذ حقبة مبكرة في تاريخه مبدأ الشورى أساساً للحكم الرشيد فكانت مجالس الحكام اللبنة الأولى في منظومة الممارسة الديمقراطية التي بدأها الإماراتيون منذ عهد ليس بقريب، ومع تأسيس الاتحاد جاء المجلس الوطني الاتحادي ليضع الإطار "الرسمي" لهذه الممارسة عبر هيكل منظم ذي أسس وقواعد وقوانين ضابطة تؤسس لمساحة أكبر من المشاركة المجتمعية وهو ما نمضي في تحقيقه ولكن بأسلوب متأن يضمن سلامة عملية التمكين التي بدأها أخي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة منذ عام 2006، فكان التطور المرحلي لهذه العملية، واضعين نصب أعيننا الصالح العام للدولة ومتبِعين في ذلك منهجاً رشيداً كان خيارنا فيه واضحاً بعيداً عن الهرولة نحو النماذج "المعلبة" للديمقراطية التي قد يخيل للبعض أنها صالحة للاستخدام في كل زمان ومكان مراعين في ذلك الطبيعة الخاصة لمجتمعنا الذي نحرص كل الحرص على ضمان سلامته وتأكيد صلابة لُحمته وتفعيل كل ما من شأنه تحقيق رخاء حاضره وازدهار مستقبله، إننا جميعا في هذا البلد حكومة وشعباً شركاء نبحر في سفينة واحدة شراعها الحب والوفاء وزادها الإخلاص للوطن الذي نشترك جميعا في إعلاء بنيانه وتوطيد أركانه بمنجزات نراعي في تحقيقها سبل الديمومة والنجاح ولا نسعى من ورائها إلا لنيل رضا الله سبحانه وتعالى ومن بعده أهلنا وشعبنا فنحن لا ندخر وسعاً في تحقيق طموحاته ولا نتوانى في تقديم كل ما من شأنه إقرار مستقبل حاشد بمزيد من الإنجازات تضمن لوطننا سبل الرخاء والتقدم بمشاركة شعبنا ووفق تطلعاته وطموحاته.
فاليوم تتواصل مسيرتنا بقيادة أخي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مع إيمانه الكامل بأهمية توسيع دائرة المشاركة الشعبية وتعزيز الممارسة الديمقراطية بأسلوب يتسق مع طبيعة مجتمعنا ويفيد من ثقافتنا الراسخة ولا يعمد إلى استنساخ تجارب الآخرين نظراً لتفرّد كل مجتمع بما يميزه من صفات قد لا تكون قابلة للنسخ أو التكرار.
ومع دورة الانعقاد الثالثة من الفصل التشريعي الخامس عشر أريد أن أشد على أيادي أعضاء المجلس الوطني الاتحادي مطالباً إياهم بأن يكونوا دائماً على قدر المسؤولية الكبيرة التي يحملونها على عاتقهم وأن يجعلوا من التواصل الإيجابي والمستمر مع الناس للتعرف على متطلباتهم واحتياجاتهم أولوية قصوى تعين المجلس على القيام بواجبه على الوجه الأكمل تجاه بلادنا وشعبنا وأن يكون انتصارهم للحق وأن يعلوا دائماً مصلحة الوطن وأن يراعوا صالح المواطن وصولاً إلى تحقيق ما ننشده لبلادنا من مزيد العزة والرفعة والازدهار.
السؤال الثاني: تهدف الإستراتيجية العامة للدولة إلى تحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة وضمان توفير الرخاء للمواطنين وتعزيز مكانة الدولة إقليمياً وعالمياً، فكيف تنظرون سموكم إلى مسيرة التنمية في البلاد، وما تطلعاتكم للمستقبل خصوصاً ووطننا يخوض مرحلة جديدة من التنمية أساسها التمكين وتعزيز المنجزات؟
محمد بن راشد: بحمد الله وتوفيقه حققت بلادنا طفرات تنموية قوية خلال السنوات الماضية عبر مجموعة من الإنجازات النوعية التي أكدت معها مكانتها الريادية في ساحة التنمية على مستوى المنطقة العربية بل جاوزتها في عديد من المجالات إلى الصعيد العالمي حيث نطالع يوماً تلو الآخر تقارير دولية تضع بلادنا في مراتب متقدمة على قوائم المؤشرات العالمية في مختلف الميادين، وكمثال على ذلك نالت دولتنا المرتبة الأولى عالمياً ضمن ستة مؤشرات تضمنها "تقرير التنافسية العالمي" الصادر مؤخرا عن "المنتدى الاقتصادي العالمي" للعام 2013 – 2014، ومؤخراً ووفقاً لتقرير "البنك الدولي" حول ممارسة الأعمال تقدمت بلادنا من المركز الخامس إلى الترتيب الرابع على مستوى العالم في مجال تسهيل التجارة عبر الحدود، وغيرها الكثير من الشهادات العالمية التي تضع دولتنا في مكانة متقدمة على قائمة الإنجاز الإنساني.
ولاشك في أن الحفاظ على قمة النجاح أصعب من محاولة بلوغها لذا فإن ما وصلنا إليه من مكانة تحتم علينا استمرار العمل على تطوير قدراتنا ورفع كفاءاتنا وتنويع مواردنا ليس فقط للحفاظ على النجاحات التي بلغنا فيها مدى متقدماً ولكن للدخول إلى مرحلة تنموية جديدة نحاول من خلالها ترجمة رؤيتنا للمستقبل وما يلبي تطلعات شعبنا وطموحاته ويمنحه مكانة أرقى تطوراً ورفعة بين الشعوب والأمم الأكثر تقدما في العالم.
لقد حرصنا على مدار رحلتنا التنموية على البدء دائماً من حيث انتهى الآخرون، فتجربتنا راسخة متينة بعراقة تراثنا وأصالة ثقافتنا قوية فتية باختصار مسافات الوقت والمكان، لنصل إلى المستقبل قبل أن يأتي إلينا محملا بظروف وأوضاع يفرضها علينا لتشكل لنا واقع حياتنا ومفرداتها فنحن الأقدر على أن نرسم لأنفسنا مساراتنا في الحياة وأن نحدد أهدافنا في ضوء رؤية واضحة اختارت النديّة والمنافسة وكفاءة الأداء عنواناً رئيساً لجهدها الموصول نحو إيجاد وترسيخ مقومات السعادة والراحة والأمن والسلامة والاطمئنان لكل من يعيش على أرض الدولة وكذلك كل من يفد إليها ضيفاً زائراً، نحن نريد للجميع أن يكون شريكاً في هذا السعي نحو غد مفعم بالتميز ودورنا إعداد البيئة التي تساهم في إنجاح هذه المشاركة عبر الاهتمام بمجالات عدة ربما يكون أهمها التعليم الذي ننظر إليه بوصفه حجر الزاوية في بنيان الحضارة.
السؤال الثالث: حققت حكومة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله"، إنجازات ملموسة للوطن والمواطن على مستويات عديدة فما هي الآفاق والتطلعات التي يمكن أن تحققها الحكومة مستقبلاً من وجهة نظر سموكم؟
محمد بن راشد: تسير الحكومة وفق برنامج عمل محدد نحو أهداف ترمي في المقام الأول إلى خدمة الناس وتذليل كل التحديات التي قد تعيق مسيرتنا التنموية الطموحة ضمن إطار شامل يتجسد في الإستراتيجية العامة للدولة، ونحن راضون بشكل عام عن أداء الحكومة وما حققته من إنجازات في مختلف المجالات لكن ذلك لا ينفي وجود بعض الموضوعات بعينها على خريطة عمل الحكومة التي تحتاج إلى مزيد من العناية والاهتمام والتطوير ونحن نرصد ذلك من خلال قنوات مختلفة في مقدمتها التقارير الدورية للوزارات والهيئات والمؤسسات التابعة للحكومة الاتحادية ونبادر إلى التوجيه بما يلزم حيالها، وأنا أباشر بصفة شخصية وبمعاونة إخواني في مجلس الوزراء منظومة العمل ضمن شتى أجهزة الحكومة لتأكيد سيرها وفق النهج المرسوم ونحو الأهداف المحددة ولا نسمح بوجود معوقات تقف في طريق تحقيق أهدافنا، ونتوقع من الجميع التجاوب والتعاون الكاملين.
إننا نريد الوصول ببلادنا إلى الرقم "واحد" عالمياً في جميع المجالات وهو هدف يتطلب عزيمة صادقة وجهداً كبيراً ونحن واثقون في قدرة أبناء الوطن المخلصين على تحقيقه، وقد طلبت من مجلس الوزراء تحديد قطاع بعينه نصل فيه بترتيب دولة الإمارات إلى المرتبة الأولى على مستوى العالم وإن شاء الله سيتحقق ذلك قريباً، لتتبعه قطاعات أخرى حتى نصل يوماً إلى الترتيب الأول عالمياً في جميع المجالات.
إننا نريد للحكومة ألا تكون فقط عند حد توقعات الناس ولكن أن تتجاوزها إلى مستويات أداء أقوى وأكثر فعالية عبر تسخير الإمكانات والموارد المتاحة واستحداث النظم والبرامج الضرورية لمضاعفة مستويات الإنتاج الحالية وتقليص الفترات الزمنية للخدمات الحكومية وتوفيرها بأسلوب سهل ومريح للناس في مختلف ربوع الدولة وبالقدر نفسه من الكفاءة والسرعة والمهنية العالية لذا كان إطلاقنا لمبادرة "الحكومة الذكية"، فنحن نريد لخدمات الحكومة أن تكون في متناول جميع أفراد المجتمع ويسهل الوصول إليها حتى عبر الهاتف المحمول إمعاناً في تيسير الخدمات وتسريع وقت الحصول عليها وهذا ما نريده من جميع الوزارات والدوائر والأجهزة الحكومية، نريدها أن تتبنى الابتكار والإبداع نهجاً صريحاً في عملها وأن تتنافس فيما بينها في تقديم خدمات عالية الجودة فائقة السرعة فعالة النتائج.
السؤال الرابع: حققت الإمارات مراكز عالمية متقدمة في معدلات التنمية البشرية والشفافية والأداء الحكومي والنمو، كيف تتطلعون سموكم إلى مستقبل التنمية البشرية في هذه المرحلة والمستقبل لمواكبة متطلبات العصر والتعامل بأدواته، وكيف يمكن الحفاظ على هذه المكانة وتحقيق المزيد من المعدلات العالمية في التنمية؟
محمد بن راشد: إن الاستثمار في التنمية البشرية هو الضمانة الأكيدة في مسيرتنا نحو غد أفضل، فالإنسان هو محرك التنمية وفكره هو مدادها وطموحه هو قبس الحضارة،. يحفظها من التدهور وينأى بها عن الانحدار، لقد أدرك جيل الآباء المؤسسين هذه الحقيقة منذ وقت مبكر في عمر الاتحاد فكان إيفاد الدارسين إلى الخارج ليعودوا إلى الوطن محملين بالمعرفة للمساهمة في عملية البناء وهذا ما كان، ولم تتخل الإمارات يوما عن تهيئة البيئة الزاخرة بكل المقومات الضرورية لتخريج أجيال من الشباب القادر على أن يكون طرفاً مؤثراً في معادلة التنمية بما تتطلبه من استعداد جيد باستيعاب أدوات العصر ومعطياته وإدراك واع لكيفية تسخير تلك الأدوات لتطويع الواقع المحيط لصالحه ولخدمة أهله ومجتمعه ووطنه، وقد أخذ هذا الاهتمام أشكالاً وقوالب عدة وربما نجده ملموساً في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة وبرامج التدريب وإعداد القادة وغيرها من المجالات التي نحرص على تشجيعها ونضعها دائماً في مقدمة القطاعات المشمولة بقدر خاص من العناية لارتباطها المباشر بقدرة المجتمع على رسم ملامح مستقبله.
السؤال الخامس: هل أنتم راضون يا صاحب السمو عن مخرجات التعليم العالي ومستواه في الدولة، وما هي نظرة سموكم إلى هذا القطاع المهم في البلاد؟
محمد بن راشد: العلم والمعرفة هما عصب التنمية ومحركها الأساسي والتعليم أولوية وطنية علياً، فمنذ عهد المغفور له بإذن الله تعالى الوالد الشيخ زايد كان التعليم من أهم أولويات العمل الوطني وهو يحظى اليوم باهتمام ورعاية ومتابعة أخي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة وينظر إليه كأحد أهم القطاعات على أجندة الحكومة الاتحادية، ونحن نعمل جاهدين على توفير جميع المعطيات اللازمة لتطوير التعليم سواء من ناحية الموارد المادية أو المحفزات التشجيعية وكذلك برامج التأهيل والتدريب علاوة على التحديث التقني للوسائل التعليمية، وقد حرصنا على استقطاب أعرق وأكبر الجامعات والمعاهد العلمية والبحثية العالمية لتعمل جنباً إلى جنب مع جامعاتنا الوطنية لخلق مناخ تنافسي يساعد على الارتقاء بالعملية التعليمية.
وإذا ما نظرنا إلى الميزانية الاتحادية للعام المقبل والتي اعتمدناها مؤخراً في مجلس الوزراء نجد أن قطاع التعليم قد تصدر قائمة مشاريع التنمية الاجتماعية والمخصصات التي تم إفرادها لبرامج التعليم العام والعالي والجامعي وصلت إلى 8ر9 مليار درهم أي حوالي 21 بالمائة من إجمالي الميزانية وهذا يعكس حجم الاهتمام الذي توليه الحكومة لهذا القطاع.
إننا نريد للتعليم العالي أن يكون مواكباً لتطور وسائل العِلم والثقافة عالميا وأن يتبنى الحلول الحديثة التي تعين على تحقيق أفضل مستويات التحصيل المعرفي ونريد للبرامج والمناهج العلمية في الجامعات أن تراعي الاحتياجات الفعلية لسوق العمل وتلبية المتطلبات المتنامية ضمن قطاعات متخصصة يتصاعد مؤشرها بزيادة معدلات التنمية وما يصاحبها من مشاريع ومبادرات كبرى، وهناك مسؤولية كبيرة على عاتق هيئات التدريس والخبراء المتخصصين تجاه تطوير المناهج وأيضاً أساليب التدريس لمواكبة العصر والتقدم العالمي وهناك أيضاً مسؤولية مماثلة على أبنائنا وبناتنا من ناحية التحصيل العلمي والسعي لاكتساب المعارف باختلاف مساقاتها وتوسيع دائرة إطلاعهم وأن يحرصوا على تثقيف أنفسهم ليكونوا على وعي بالمتغيرات المحيطة بهم ما يؤهلهم للتفاعل معها بإيجابية ويمكنهم من تحمل مسؤولية تطوير أنفسهم ومجتمعهم ووطنهم، فنهضة الشعوب لا تكتمل إلا بالعلم ورفعتها لا تترسخ إلا بالمعرفة ونريد لجامعاتنا أن تكون في مصاف أفضل المنابر العلمية العالمية وأن تهتم بمجالات البحث العلمي الذي هو في واقع الأمر قاطرة التطوير ومحرك التنمية، ونحن لن نتأخر في توفير كل الدعم اللازم لتحقيق تلك الأهداف.
السؤال السادس: نال التقدم الذي ظلت تشهده الخدمات الصحية في الدولة على مر السنوات الماضية اعتراف هيئات ذات ثقل عالمي وكثيراً ما وُصفت الإمارات بأنها تقدم أرقى الخدمات الطبية وبمعايير عالمية، فكيف ترون سموكم مستوى الخدمات الطبية، وما هي الرسالة التي تحبون توجيهها لكل القائمين على مسؤولية إدارة الخدمات الصحية في وزارة الصحة والهيئات الصحية في مختلف إمارات الدولة؟
محمد بن راشد: صحة الإنسان هي أهم ما يشغلنا ونحن حريصون كل الحرص على حصول مواطنينا وكل من يعيش على أرض الإمارات على أفضل سبل الرعاية الصحية وقد عملنا على إيجاد الأطر الكفيلة بتحقيق هذا الهدف المهم وفي الميزانية الاتحادية للعام 2014 قمنا بتخصيص مبلغ 7ر3 مليار درهم أي ما يعادل نحو 8 بالمائة من الميزانية للقطاع الصحي، إننا نهدف إلى رفع تنافسية هذا القطاع عالميا عبر تقديم بلادنا لأرقى الخدمات الصحية للمواطنين والمقيمين وضمان سلامة المريض حتى اكتمال الشفاء بإذن الله، إن جهود الحكومة تتواصل في عدة مسارات متوازية للارتقاء بقطاع الصحة فهناك برامج تطوير المهارات وكفاءات الكوادر الطبية والبرامج العلاجية والنظام الصحي للوقاية من الأمراض علاوة على تطوير السياسات والتشريعات المتصلة بتنظيم القطاع وما يتضمنه من أنشطة.
ولاشك أن القطاع الخاص أيضاً يؤدي دوراً مهماً في هذا القطاع ونحن حريصون على تأصيل مبدأ الشراكة مع أفضل المؤسسات الطبية الخاصة القادرة على تقديم خدمات متخصصة عالية الجودة ذات مستوى عالمي متقدم.
هناك تطور نسبي في القطاع الصحي إلا أننا نريد مزيداً من هذا التطور سواء على مستوى التجهيزات الطبية أو على صعيد الخدمة التشخيصية والعلاجية عبر تدابير مختلفة مثل إعداد الكوادر الطبية المؤهلة عالية الكفاءة والاستفادة من خبرات الأطباء والمتخصصين الزائرين لنقل الخبرة والمعرفة بما يعزز قدرتنا على إدخال مزيد من أوجه التطوير على الخدمات الصحية المتاحة واستحداث المزيد منها على النحو الذي يكفل للمريض إيجاد سبل الشفاء داخل الوطن ويغنيه عن الحاجة للتوجه للخارج للاستشفاء.
السؤال السابع: خطت دولة الإمارات منذ بدايتها خطوات واثقة على طريق تمكين المرأة باعتبارها تمثل نصف المجتمع وأثبتت ابنة الإمارات أنها على قدر المسؤولية وحققت نتائج مشرفة في كل الميادين، فكيف تقيمون سموكم تجربة المرأة الإماراتية في المشاركة السياسية من خلال المجلس الوطني، وما هي نظرتكم المستقبلية لتعزيز دورها وتمكينها في كل المجالات والقطاعات؟
محمد بن راشد: ربما يكون من الإجحاف أن نحصر إنجازات المرأة الإماراتية في مساحة الممارسة السياسية فحسب على الرغم مما أثبتته فيها من قدرة على تحمّل المسؤولية والمشاركة الإيجابية جنباً إلى جنب مع الرجل، فابنة الإمارات تمكنت - بجدارة واستحقاق - من تقلد أهم المناصب، فالحكومة الحالية فيها أربع وزيرات وهذا دليل واضح على ما استطاعت المرأة أن تحققه من إنجاز مع ثقتنا الكاملة في جدارتها وامتلاكها كل ما يعينها ليس فقط على المشاركة بل ريادة مجالات بعينها، ونحن نثمن عالياً إنجازات ابنة الإمارات ولا ندخر جهداً في فتح المجال رحباً لاستيعاب بل وتشجيع المزيد منها، فثقتنا راسخة في أن القدرة على العطاء ليست مرهونة بكون صاحبها رجلاً أو امرأة فكلاهما شريك في المجتمع وفي صنع واقعه ومستقبله والفيصل هو مدى الكفاءة والقدرة على العطاء.
ونحن لم ولن نبخل بالدعم الكامل للمرأة لإعانتها على قيامها بدورها كأم مسؤولة عن تربية الأجيال القادمة التي ستتحمل مسؤولية إكمال مسيرة البناء وأيضاً لحضورها في سوق العمل وضمن مختلف التخصصات التي أثبتت في بعضها تفوقاً ظاهراً على الرجل، فعندما توفر الحكومة خدماتها فإنها لا تفرق بين رجل وامرأة وهذا بشهادة المؤسسات الدولية، وأذكر هنا تقريراً صدر مؤخراً عن المنتدى الاقتصادي العالمي أظهر تصدّر الإمارات لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سد الفجوة في الخدمات التعليمية المقدمة للذكور والإناث دون أي تفرقة بينهما.
إننا حريصون على تعزيز وزيادة هذا الدعم بتوفير مختلف الضمانات الممكنة فقرار مجلس الوزراء بإلزامية تمثيل العنصر النسائي في مجالس إدارات جميع الهيئات والشركات الحكومية بالدولة هو أحد البراهين على مدى قناعتنا بأهمية ما ستتيحه مشاركة المرأة من توازن لقرارات تلك المؤسسات وخططها ومراعاة لصالح العاملات المشاركات للرجال في ميادين العمل.
إن طموحنا لبناتنا وأخواتنا نابع من قناعتنا بأهمية دور المرأة، نريدها أن تكون أما واعية تعمل على تنشئة جيل قوي قادر على تحمل المسؤولية، نريدها أن تشارك بفكر إستراتيجي مستنير نقهر به التحديات ونعظّم به الفرص، نحرص أن تكون دائما مواكبة للعصر وأن تتحلى بالعلم والمعرفة وأن تقرنهما بالعزيمة والإصرار للوصول إلى ما تصبو إليه وما نأمله لها من طموحات لنفسها وأسرتها ووطنها، نريدها مجتهدة في طلب العلم حريصة على الاستزادة من المعرفة.
مسؤوليتنا تجاه المرأة وحيال شعبنا تملي علينا توفير أفضل سبل التعليم والتدريب والتأهيل وكذلك أرقى مستويات الرعاية الصحية والاجتماعية وإيجاد مختلف الأطر الرسمية والمجتمعية الكفيلة بتحقيق ذلك، ونحن ماضون في تحقيق مزيد من التمكين للمرأة بمنحها كل ما يعينها على الاضطلاع بدورها على الوجه الأكمل في المجتمع.
السؤال الثامن: فُطِرْ الإماراتيون على فعل الخير الذي يمثل واحدة من اللبنات الأساسية في ثقافتهم الأصيلة، حيث دأبت دولة الإمارات ولا تزال حكومة وشعباً على تقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين في مختلف أنحاء العالم بل جعلتها إحدى الركائز الأساسية لسياستها الخارجية، فكيف تنظرون سموكم إلى هذا الموضوع؟
محمد بن راشد: إن التكافل الإنساني أمر يحث عليه ديننا الحنيف وهو راسخ في وجداننا وضمائرنا وجزء لا يتجزأ من ثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، فنجدة الآخر ومساعدة المحتاج وعون الضعيف من أهم شيم الفروسية التي جبلنا عليها وتعلمنا أنها واجب وفرض نبغي من وراءه رضا الخالق ونسعى من خلاله لعون المخلوق، وأخي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد هو القدوة والمثال في العطاء اللامحدود فأياديه البيضاء التي يمتد عطاؤها إلى مختلف أنحاء البسيطة تذكرنا بالإسهامات العظيمة التي خلدت ذكرى الوالد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ومنحته مكانة خاصة في قلوب ملايين البشر حول العالم لما قدمه من فيض بذل وعطاء.
فعندما نرسم بسمة على وجه طفل فقير أو نسد رمق آخر جائع أو نعين ثالثاً على الحصول على فرصته في التعليم وبيئة صحية ملائمة نشعر أننا قمنا بأداء جانب مما أوصانا به ديننا الحنيف بإشاعة التراحم والتعاطف بين الناس، لكونهما يمثلان ضمانا لاستمرار الحياة.
فبحمد الله وبتوفيقه أسهمت دولتنا بما يناهز 8ر5 مليار درهم من المساعدات خلال العام 2012 انتفع بها أناس في 137 دولة ومنطقة جغرافية حول العالم، حيث جاءت بلادنا في الترتيب السادس عشر عالمياً بين الدول الأكثر عطاءً وهو إنجاز نحمد الله عليه ونسأله أن يديم علينا توفيقه كي نستمر في أداء هذا الواجب تجاه الآخرين، نأخذ بيد الضعيف ونعين كل ذي عسرة ونخفف عن كاهل الناس ونمكنهم من التشبث بالأمل في غد أفضل ونحن في هذا الجهد الخالص لوجه رب العالمين لا نرجو سوى رضاه لا نفاخر ولا نتباهى ولكننا نكشف عن إسهامنا الإنساني لنكون قدوة للآخرين نشجعهم على البذل والعطاء لتزيد بذلك المنفعة ويعم الخير على الناس.
السؤال التاسع: كنتم سموكم أول من أكد في وقت مبكر جداً أن دولة الإمارات سوف تكون في صدارة دول العالم في كل المجالات وكان حديثكم وقتها هو حديث من لا ينتابه أدنى شك في حدوث ذلك حينما كانت الصعاب تبدو كبيرة، فمن أين كنتم سموكم تستمدون هذه الثقة المبكرة؟
محمد بن راشد: "على قدر أهل العزم تأتي العزائم"... هكذا قالها المتنبي وهكذا هي في بلادنا.. إن شيمة أهل الإمارات أنهم إذا ما عاهدوا صدقوا فيما عاهدوا عليه وإذا ما عقدوا العزم على تحقيق أمر أنجزوه بتوفيق من الله أولا ولصلابة عزمهم وصدق عزيمتهم، ثانياً، إن ثقتي في أهلي وشعبي لا حدود، ننطلق معاً على درب التطوير حافزنا جميعاً حب متأصل في القلوب لهذا الوطن وإخلاص كامل لرفعته وعزته كرامته وهي أهداف سامية لا تتحقق إلا بالتميز عن الآخرين ولا يمكن الوصول إليها بالركون إلى الراحة والسكينة بل لابد من التحلي بالطاقة الإيجابية وأن يجعل الإنسان تحدي الذات عادة ليستيقظ كل صباح يشغله هاجس واحد: ما هو الإنجاز الذي سأحققه اليوم، والتحديات التي جابهت شعب الإمارات وتعاظمت في فترة تأسيس الاتحاد توارت وانقشعت أمام ضياء الأمل واندحرت وتضاءلت أمام صلابة الإماراتيين وعزمهم الذي لا يلين ولا ينال منه شيء لذا كانت ثقتي في قدرتنا على تحقيق ما أطالب به وأتوقعه من انجازات ولاسيما أننا وفّرنا مقومات تحقيقها، فقبل وجود الجامعات في ربوع بلادنا ابتعثنا مئات الطلاب للدراسة في الخارج للنهل من منابع العلم واليوم نفخر ونعتز بجامعاتنا الوطنية ونسعد بوجود أفضل الجامعات العالمية على أرضنا تؤسس لجيل قادر على مزيد من البذل والعطاء يحمل الأدوات التي تمكنه من التعامل بكفاءة مع محيطه الإقليمي ونطاقه العالمي الأوسع.
لدينا من فرق العمل المتميزة ما يرضي تطلعنا إلى مزيد من الإنجاز ونعتمد أرقى معايير العمل في العالم وضمن مختلف التخصصات، استثمرنا في بنية أساسية تعد من بين الأفضل في العالم ولدينا من المطارات والموانئ ما يعزز مكانتنا كنقطة وصل حيوية لحركة التجارة والسفر العالمية، تتمتع بلادنا باحترام دولي واسع لتمسكنا بنهج متوازن ومحايد مع الجميع وعلاقات تقوم على مبدأ التعاون الإيجابي والاحترام المتبادل وكذلك احترام كافة المواثيق والمعاهدات الدولية.. كل ذلك وأكثر عوامل ترسخ ثقتنا في قدرتنا على تحقيق التميز والوصول إلى الرقم "واحد" عالمياً.
السؤال العاشر: ينظر شباب دولة الإمارات إلى سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم باعتباره ملهماً وقدوة ويترقبون كل كلمة تصدر عن سموه ليحفظوها ويتناقلوها فيما بينهم ويحولوها إلى عمل وإنجاز، فما هي الكلمة التي تحبون سموكم توجيهها للشباب؟
محمد بن راشد: أقول لهم أنتم ذخر الوطن وعماد مستقبله بسواعدكم سيرتفع البناء، اشحذوا الهمم واعقدوا العزم واصدقوا النية واعملوا على تطوير ذاتكم كي تكونوا نافعين لأنفسكم ومؤثرين إيجابياً في مجتمعكم ومساهمين في رفعة وطنكم وتقدمه وازدهاره، تحلوا دائماً بالطاقة الإيجابية وتمسكوا بها في مختلف المواقف فهي سبيلكم للرفعة والنجاح، اشغلوا أنفسكم بكل ما هو نافع لكم ولأهلكم ولمجتمعكم وانبذوا كل ما من شأنه إحباط عزيمتكم أو إهدار وقتكم هباء فالوقت هو أثمن سلعة يجب على الإنسان حسن استغلالها فعقارب الساعة لا تنتظر أحداً ولا تتأخر في طي الزمن، أقبلوا على العِلم وانهلوا من منابع المعرفة خذوا بناصيتها وامتلكوا زمامها وسعوا مدارككم بالقراءة والإطلاع وبادروا إلى اكتشاف الجديد وليكن العِلم مِدادكم في رحلة التميز، أنصتوا للكبار وخذوا عنهم خبراتهم وتجاربهم وأبدعوا أفكارا جديدة وتباروا في الابتكار، امضوا في الحياة واضعين النجاح هدفاً واضحاً نصب أعينكم واسعوا إلى كسب وامتلاك مقومات تحقيقه، لا تملوا طرق الأبواب في سعيكم للتميز واجعلوا من الإصرار والعزيمة والرغبة الدائمة في التفوق شيماً أصيلة لكم في رحلتكم مع الحياة.