مقابلات مع سـمـوه - 04 ديسمبر, 2006
حوار محمد بن راشد مع صحيفة "الاتحاد" في العيد الوطني الخامس والثلاثين
* نعيش هذه الأيام فرحة العيد الوطني، ونحتفل بالذكرى السنوية الـ35 لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، ماذا تعني هذه المناسبة لسموكم؟
- هذا يومنا التاريخي، وبداية الصفحة الأولى في كتاب المجد والعز والبناء والتقدم، في هذا اليوم تجتمع كل معاني الخير والإيمان والعطاء وصفات الرجال الكبار والبُناة العظام.
الاتحاد فعل إيمان يتجلى فيه الامتثال لحث المولى عز وجل المسلمين على الوحدة والتكاتف والاجتماع على الخير، والاتحاد فعل إرادة تتجلى فيه عزيمة الآباء على بناء صرح شامخ تتفيأ الأجيال ظلاله وتحافظ عليه وتضيف إليه، والاتحاد فعل حكمة يُجَسّد رؤية الآباء وحلمهم وسعة صدرهم وقدرتهم على استيعاب الناس على مشاربهم وأهوائهم المتعددة والمتباينة أحياناً، والاتحاد فعل تحدٍ للصعاب وتجاوز للعقبات وقهر لما ظنه الناس من المستحيلات، والاتحاد فعل عطاء لرجال أوقفوا حياتهم وإمكانياتهم لخدمة وطنهم وشعبهم.
هذه هي المعاني التي تحضر في هذا اليوم الغالي، وتحضر معها أيضاً وقفة مراجعة النفس، وجردة الحساب السنوية لما تحقق، وما يجب استكماله، وما يجب عمله.
الحمدلله الذي كتب لنا أن نواكب الاتحاد منذ بدايات التحضير له في فبراير العام 1968، حين اجتمع الوالد الشيخ راشد والوالد الشيخ زايد في منطقة تقع بين سيح شعيب والسديرة، واتفقا على إقامة اتحاد بين أبوظبي ودبي، نواة اجتمعت حولها الإمارات في مثل هذا اليوم من العام 1971، واقامت دولة الاتحاد. إن الذين عايشوا تلك الأيام ورافقوا مسيرة الإعداد، ثم مسيرة البناء، يدركون أكثر من غيرهم عظمة الإنجاز وتاريخيته، وعظمة صانعيه وتاريخيتهم.
* رافقتم في المراحل الأولى من حياة سموكم الآباء المؤسسين؛ المغفور لهما الشيخ زايد والشيخ راشد، ماذا تعلمت منهما؟ وكيف ترجمتم أفكار ورؤى زايد وراشد على أرض الواقع؟
- تعلمت منهما الكثير الكثير، تعلمت منهما أن المستحيل مجرد وهم لا يعشعش إلا في أذهان العاجزين والمترددين والضعاف، وتعلمت منهما أن الإنسان مخلوق لما نُذِرَ له، فإذا كنت قائداً فعليك واجبات ومسؤوليات تجاه من تقودهم، وإن كنت حاكماً أو رئيساً أو ملكاً فأنت المسؤول الأول عن وطنك وشعبك وعليك تحّمل هذه المسؤولية بجدارة وشرف، وتعلمت منهما معنى القول المأثور "كبير القوم خادمهم"، يسهر على أمنهم وراحتهم ورفاههم، ويعمل بكل ما في وسعه وإمكانياته لإسعادهم والرفع من شأنهم وإعلاء مكانتهم، وتعلمت منهما التفاؤل، فالموج لا بد أن يعانق في النهاية شاطىء البحر، والخير هو الأصل في الإنسان، أما الشر فعارض يمكن أن يزول وأن تساعد على زواله، وتعلمت منهما أن المسؤولية تكليف بمقدار ما هي تشريف، وكلما نجحت في أداء هذا التكليف كان نصيبك من التشريف أكبر، ومساحتك في الدنيا أرحب، وتعلمت منهما النظر دائماً إلى أبعد ما ينظر الآخرون، ورؤية ما لا يراه الآخرون، والتقدم إلى الأمام بثقة وتصميم، وإعداد العدة للوصول إلى الهدف وتحقيق المراد.
تعلمت منهما أن الحياة هي عملية تعلم مستمرة، كل يوم يجب أن تتعلم شيئاً جديداً، فلا حدود للعلم، ولا سقوف للمعرفة.
* تعيش دولة الإمارات طفرة اقتصادية كبرى تنعكس آثارها على كافة مناحي الحياة، هل تعتقد أن هذه الطفرة مؤقتة ومرتبطة فقط بانتعاش أسعار النفط عالميا؟ ومتى ستصل الدولة إلى مرحلة عدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي وحيد للدخل؟
- أفضل أن أسميها نهضة اقتصادية وليس طفرة، وهي ليست مرتبطة بارتفاع أسعار النفط، بدليل أن النفط منذ سنوات عدة لا يشكل أكثر من 5% من الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي، وأن الانطلاقة الكبرى للنهضة في دبي حدثت وأسعار النفط بين 15-18 دولاراً للبرميل.
لا شك أن ارتفاع أسعار النفط يرفد مسيرة النهضة بعناصر قوة إضافية، لكننا في الإمارات تعلمنا من دروس مطلع الثمانينات، حين انخفض سعر البرميل إلى حدود 10 دولارات وأقل، اليوم تأثر اقتصاد دولة الإمارات بتقلب أسعار النفط أقل كثيراً منه في السابق، وبالنسبة لدبي فهو أثر ضئيل جداً، وقد انخفضت مساهمة النفط في الناتج الإجمالي للدولة إلى نحو 27 بالمائة فقط.
* الكل يتحدث عن ثورة أحدثها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في الحكومة الاتحادية منذ تولي سموكم رئاسة مجلس الوزراء.
أولا: ما هي الخطوات التي اتخذتموها للنهوض بالحكومة الاتحادية والقضاء على الترهل والروتين والهشاشة، التي تعاني منها أجهزة الحكومة الاتحادية؟
ثانيا: ما هي النجاحات التي تحققت حتى الآن على صعيد الوزارات الاتحادية؟ وهل ترضي طموح سموكم؟
ثالثا: كيف تنظرون إلى مستقبل الحكومة الاتحادية في ظل التطورات التي يشهدها العالم من حولنا في كافة المجالات؟
- لا أحب الحديث عن إنجازات الحكومة، وأفضل أن تتحدث الإنجازات عن نفسها، على أي الأحوال، عمر الحكومة حوالي 10 أشهر، وأنا راضٍ عما أنجزناه خلال هذه الفترة القصيرة، بدايةً من إعادة هيكلة مجلس الوزراء، ليتناسب مع واقعنا وأهدافنا المستقبلية، إضافةً إلى وضع الخطة الإستراتيجية للإمارات، وخطة لتنمية موارد الاتحاد، وأخرى لتطوير الأداء الحكومي، وانتخابات المجلس الوطني، وحل مشكلة البدون، وتشكيل المجلس الوزاري للخدمات، ومعالجة الاختناقات في الإجراءات الحكومية وفي التعاملات بين الوزراء، ومنح الوزارات استقلالية إدارية ومالية.
ولأول مرة صدر مشروع الميزانية الاتحادية قبل ثلاثة أشهر من حلول السنة الجديدة، كما صدرت قوانين عديدة مهمة، مثل قانون حماية المستهلك، وقانون تجريم الاتجار بالبشر، وإجراءات ملزمة لتنظيم سوق العمل، وإجراءات ملزمة للتوطين في القطاع الخاص، وتفعيل عملية مراجعة وتطوير التشريعات ذات الصلة بالاقتصاد، ورفع ميزانية الهيئة العامة للشباب والرياضة إلى 100 مليون درهم وزيادتها 10% سنوياً، وتخصيص ميزات للمعلمين، كما في الإسكان وفي الشركات المساهمة.
لا أريد أن أسترسل، وأنا أطلب منكم في الصحافة متابعة إنجازات الحكومة وتقييمها، أليست هذه إحدى وظائفكم؟!
* بدأتم عهدكم مع رئاسة مجلس الوزراء بالقيام بصولات وجولات في مختلف إمارات الدولة، للإطلاع عن قرب على العمل في الوزارات والمؤسسات والمكاتب التابعة للحكومة الاتحادية، ولكن هذه الزيارات توقفت مؤخراً، هل أعطت الزيارات السابقة ثمارها؟ ومتى سيجدد سموكم زياراته الميدانية للجهات الاتحادية؟ وما هي أبرز المواقف التي واجهت جولاتكم وأكثرها إثارة؟
- الزيارات لم تتوقف، وهي جزء من برنامج عملنا لحرصنا على لقاء مواطنينا في كافة أرجاء الدولة، والاطلاع عن كثب على احتياجاتهم وأوضاع مرافق الخدمات في مناطقهم، لا شك في وجود بعض الاحتياجات والنواقص، لأن المجتمع ينمو ولا بد للخدمات من مواكبة هذا النمو، ويقوم المجلس الوزاري للخدمات بمتابعة تنفيذ خطط الاستكمال والإحلال، كما تتابع وزارة تطوير القطاع الحكومي خطط تطوير الموارد البشرية وأداء الوزارات ومكاتبها في كافة أرجاء الدولة.
* استطاعت الحكومة المحلية في دبي تحقيق قفزات متقدمة جداً في مجال الإدارة الحكومية وإدخال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في العمل الحكومي، هل يمكن نقل تجربة حكومة دبي إلى الحكومة الاتحادية؟
- نعم، الحكومة الاتحادية تستفيد من إنجازات دبي في مجالات الإدارة الحكومية، ومن أي إنجازات في مجالات أخرى، سواء في دبي أو أبوظبي أو بقية الإمارات، وهذا أمر طبيعي، فما تحققه دبي هو للدولة وهو بتصرف جميع الإمارات، وتجاربنا وخبراتنا متاحة لجميع الإخوان، وهم يأتون إلينا ونقدم لهم كل ما يطلبون.
* أغلب الحكومات المحلية في إمارات الدولة أنشأت هيئات ومؤسسات لتكون بديلاً للوزارات الاتحادية، مثل الهيئات والدوائر الصحية، والهيئات التي تعنى بشؤون التعليم، والهيئات القضائية المحلية، والهيئات السياحية، وغيرها من الهيئات المحلية، هل يعني ذلك تقليص دور المؤسسات الاتحادية لمصلحة المؤسسات المحلية؟ وإلى أين يسير الشأن الاتحادي إذا كانت المؤسسات والهيئات المحلية قد سحبت البساط من تحت أقدامها؟
- ليست بديلاً للوزارات الاتحادية، وليست تقليصاً لدور المؤسسات الاتحادية لمصلحة المؤسسات المحلية، أرجو لمن يفكر في هذا المنحى الذي طرحته أن يقرأ الدستور جيداً، الاتحاد يتفرد بالتشريع وتنفيذ التشريعات في مجالات عديدة، ويتفرد بالتشريع فقط في مجالات أخرى.
أعرف أن البعض يفّضل المركزية المطلقة في كل شيء، نحن خيارنا منذ البداية، وتوافقاً مع طبيعة الدولة الاتحادية، الجمع بين المركزية واللامركزية، بل والتوسع في اللامركزية، وهذا الخيار أسهم بفعالية في بناء كياننا الاتحادي، ووفر له المرونة والقدرة على التطور والتفاعل الإيجابي مع التطورات والمستجدات، إن هذا التكامل بين المركزية واللامركزية هو من أسرار نجاح الاتحاد، ومن أسباب تقدم دولة الإمارات.
اليوم، حتى في الدولة البسيطة المكونة من إقليم واحد، مثل مصر والأردن، تُجرى مراجعات في اتجاه تطوير الحكم المحلي وزيادة صلاحياته في المحافظات أو المدن الكبرى، ليشرف إشرافاً مباشراً على خطط التنمية وكافة الخدمات، بما فيها التعليم والصحة.
* تقارير عديدة صدرت عن منظمات وهيئات دولية حول أوضاع العمالة الوافدة في دولة الإمارات، بعضها سلبي وبعضها مسيء ولا ينصف الدولة، أولاً: كيف تتعامل الحكومة مع هذه التقارير؟ ثانياً: لماذا تتعمد هذه المنظمات إظهار السلبيات في حين أن هناك إيجابيات لا حصر لها من خلال خطوات ملحوظة اتخذتها الحكومة مؤخرا؟
- التقدم الذي أحرزته الإمارات، والسمعة التي تتمتع بها، والشهرة التي حازتها، وضعتها في بؤرة الاهتمامات العالمية، بما في ذلك المنظمات الدولية الأهلية المهتمة بحقوق الإنسان.
نحن نتعامل مع تقارير هذه المنظمات بموضوعية كاملة، نشكرهم إذا استرعوا انتباهنا إلى أمر ما أو مشكلة ما وعرضوها بشكل موضوعي، أما ما هو غير موضوعي وينطوي على افتراءات، فنعمل على تصحيحه من خلال الاتصالات ودعوة الجهات المسؤولة لزيارة الدولة ولقاء المسؤولين والاطلاع على الوقائع كما هي، وليس كما يتخيلها البعض.
وبالنسبة للتقارير حول أوضاع العمالة الوافدة، فبعضها فعلاً يجترئ على الحقائق بشكل سافر، أحدث التقارير بنى معلوماته على مقابلات مع عمال عددهم لا يزيد على 60 عاملاً، وأخذ من بعض تقارير الصحف الصادرة باللغة الإنجليزية حوادث وحالات منفردة وعممها على وضع العمال في الإمارات، وهذا لا يجوز. في أي سوق في الدنيا، بما في ذلك الإمارات، تحدث تجاوزات وتقع إصابات عمل، ويصيب الإعسار المالي المؤقت بعض المقاولين، وقد تفشل بعض الشركات، لكن هذا كله يصيب أقل من واحد بالألف من العمال الوافدين، فكيف يجوز التعميم على العمال كافة؟
قبل فترة قرأت في "نيوزويك" أن عدد ضحايا الأخطاء الطبية في الولايات المتحدة تجاوز مائة ألف وفاة، وحوالي مليونين ونصف مليون متضرر من أخطاء العلاج، هل يمكن وصم الخدمات الطبية في الولايات المتحدة، وهي الأكثر تقدماً في العالم، بأنها خدمات سيئة؟!
نعم بعض تقارير المنظمات الدولية متجنية على الإمارات، ومعظمها يقيس ويحكم أو يتأثر بمواقف مسبقة من الإسلام والمسلمين والعرب، أما لماذا التركيز على الإمارات وليس غيرها، مع أن ظروف العمل متشابهة في كل دول المنطقة، فلأن الإمارات ناجحة، ولأنها تقدم نموذجاً يثبت إمكانية النجاح في التنمية والانفتاح وتحقيق التقدم.
* هل يعتقد سموكم بأن وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزية في الدولة ساهمت في إذكاء نار الإثارة في القضايا العمالية، وتشجيع العمال على التظاهر والاحتجاج حتى لو كانت لأسباب غير منطقية؟
- ربما ساهمت، وربما لجأ بعضها إلى الإثارة لزيادة التوزيع، وربما بعض الأجانب العاملين في هذه الوسائل يقيّمون الأمور استناداً إلى مرجعيتهم الثقافية، التي تكونت في بلادهم، وربما البعض تعوزه الكفاءة فيخطىء في التقدير. على أي الأحوال نحن لا نفترض سوء النية في أي كان، وأدعو المواطنين أصحاب هذه الوسائل أن يتحملوا مسؤولياتهم، وأن يستعينوا بكفاءات وطنية لإدارة صحفهم، وأن يضعوا برامج لجذب الشباب والشابات من أبناء الدولة للعمل الصحافي، أيضاً من الضروري تعريف الإعلاميين غير المواطنين بثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا، التي تنحاز لخير الإنسان وترفض الظلم وتنصر المظلوم وتساعد المحتاج وتعطف على المنكوب.
* يعاني قطاع التعليم الحكومي عندنا كثيراً من البيروقراطية والروتين والعراقيل، ومن ضعف المناهج، ومن مخلفات وإرث الماضي، كيف السبيل إلى إصلاح هذا القطاع؟ وهل وضعتم في خططكم إستراتيجية معينة لمواجهة الخلل في هذا القطاع؟
- عملية إصلاح التعليم انطلقت، ولولا أن التعليم ليس متطوراً بالمستوى نفسه الذي بلغته الدولة في المجالات كافة، لما شعر الجميع بالمسافة الواسعة بين واقع الدولة والمجتمع وبين واقع التعليم.
جذور مشكلة التعليم عدم وجود خطة إستراتيجية طويلة المدى وتكون قابلة للتطبيق، مع الأسف أدت اجتهادات بعض مسؤولي التعليم وممارساتهم إلى حدوث انقطاعات في مسيرة التربية والتعليم، ليس أسهل من وضع وثائق إستراتيجية للسياسة التعليمية، لكن كما يقال: الشيطان يكمن في التفاصيل. إن رسالة التعليم هي التعليم لتقديم مخرجات تنتمي إلى بيئتها، وتحب وطنها، وتنهل قيم مجتمعها، وتتمتع بشخصية معاصرة تتجمع فيها عناصر الثقة بالنفس واحترام الواجبات والحقوق والشغف بالمعرفة والقدرة على الاختيار واتخاذ القرار وقبول الآخر والحوار والتواصل مع المنتمين للثقافات والحضارات المتعددة والمتنوعة في هذا العالم، وهذه المخرجات تصنعها بيئة التعليم وقوانينه وأنظمته وأساليبه ومناهجه وقدرات معلميه، وهي المخرجات القادرة على دخول سوق العمل بقوة، سواء في مؤسسات الحكومة أو القطاع الخاص، وبطبيعة الحال، لن نصل إلى هذه المخرجات خلال سنة أو سنتين، ولكن خلال فترة ستكون قياسية بسرعتها، ولن ننتظر عشراً أو اثنتي عشرة سنة لحصاد النتائج، فعملية التطوير مصحوبة ببرامج تعويضية خلال سنوات الدراسة، وبعد التخرج من خلال التأهيل والتدريب.
* تعيش إمارة دبي ثورة عمرانية هائلة، تتمثل في إقامة المشاريع العملاقة التي تبشر بتحول الإمارة إلى منطقة جذب كبرى للاستثمارات العالمية، ولكن هناك في المقابل من يتحدث عن عدم قدرة البنية التحتية للإمارة على مواكبة هذه الثورة الهائلة وهذا التطور الكبير، ما رد سموكم على هذا القول؟
- في دبي سباق بين المشاريع وبين تطوير وتحديث البيئة التحتية، والمواكبة حاصلة، إلا في مسألتين، هما الازدحام المروري وارتفاع الإيجارات التي تم تحديد سقف لها، وخلال فترة لا تتجاوز السنتين، مع اكتمال مشاريع الطرق والجسور الجديدة، سيخفف الازدحام المروري وستتجه الإيجارات للاستقرار. وطبعاً، مشروع القطار والمواصلات العامة المرتبطة به، سيقدم مساهمة إستراتيجية في تسهيل وتطوير المرور والتنقل في دبي، أنت وغيرك زرتم مدناً كبرى معروفة، مثل لندن وباريس ونيويورك، فضلاً عن بعض المدن العربية، ألم تلاحظ حال المرور في مركز المدن؟
أما بالنسبة لمرافق البنية الأساسية الأخرى، فهي مواكبة ليس فقط للحاضر، ولكن للمستقبل، وأعني مرافق الكهرباء والماء والموانىء الجوية والبحرية، وشبكات المياه والمجاري والري الزراعي. اطمئن، احتياطيات التوسعات من خدمات الكهرباء والماء محسوبة وتتضمن احتياجات كبيرة، وتوسعات ميناء جبل علي والمطار الجديد ومنشآت المعارض والمؤتمرات كلها ستلبي احتياجات النمو.
* خطت دبي خطوات لافتة في مجال الاقتصاد، مما جعلها قطباً اقتصادياً مهماً يشار إليه بالبنان، حيث تركز الاقتصاد في غالبه على الاستثمار العقاري، والصناعة الجيدة وليدة اقتصاد قوي، هل تفكرون سموكم في الاتجاه نحو الصناعة ليكتمل ساعدا النهوض بالبلد اقتصادياً وصناعياً؟ وما المعوقات في ذلك في نظر سموكم؟
- الاستثمار العقاري ليس غاية بحد ذاته، وضخامة حجمه في السنوات الأخيرة سببها ارتباطه بخطط ومشاريع رؤيتنا لدبي، النمو المخطط في صناعة السياحة على سبيل المثال، وهو يتحقق بمعدلات تفوق التقديرات، يحتاج لأكثر من ضعفي عدد غرف الفنادق والشقق الفندقية الحالية، مشروع "دبي لاند" مثلاً، وهو أحد أضخم المشاريع العقارية، محوره منشآت ترفيهية تشكل مقاصد سياحية بذاتها، الأمر نفسه ينطبق على ترسيخ مكانة دبي مركزاً مالياً للمنطقة، ومركزاً دولياً للمؤتمرات والمعارض والشركات الدولية، ومحطة دولية للمواصلات الجوية والبحرية، وهكذا. وطبعاً نحن مهتمون بالصناعة، ومنطقة جبل علي في الأساس منطقة صناعية، وقد أنشأنا مناطق صناعية جديدة، ونتحرك بنشاط في ميدان الصناعات ذات القيمة المضافة العالية، التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة والعمالة الماهرة.
نحن في دولة الإمارات، وفي دبي، نخوض عملية تصحيح هيكلي للاقتصاد، في اقتصاد المعرفة تشكل الخدمات بمفهومها الواسع والشامل أكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي، وحين تقارن مكونات اقتصاد الإمارات بمكونات الاقتصادات المتقدمة، تعرف حجم الجهد الذي علينا بذله لإكمال عملية إعادة الهيكلة، وأبشرك بأننا سائرون في الاتجاه الصحيح لإعادة هيكلة الاقتصاد، وتحقيق إنجازات أعلى من التقديرات المخططة مسبقاً.
* اقتصاد دبي القوي، لم يواكبه اقتصاد مقابل في بعض الإمارات الأخرى، وهذا قد يشكل عائقاً استراتيجياً لوضع الدولة الاتحادية؟
- هذا السؤال غير دقيق، والمقارنة في غير محلها، والاستنتاج خاطىء، لو أن التباين في الحجم الاقتصادي للوحدات المكونة للدول الاتحادية يشكل عائقاً استراتيجياً، لكانت النماذج الاتحادية الناجحة في هذا العالم تعيش في أزمات كبرى، بعض الولايات الأميركية ناتجها المحلي الإجمالي 20 مليار دولار، وبعضها أكثر من تريليون ونصف تريليون دولار، ومعدل الدخل الفردي في بعض الولايات 25 ألف دولار، وفي ولايات أخرى 40 ألف دولار، في الهند اقتصاد مدينة مومبي وحدها يعادل اقتصاد عدة ولايات.
قلت وأكرر، الدول الاتحادية مركبة من عدة أقاليم، والاختصاصات في الدول الاتحادية تتوزع بين السلطة الاتحادية والسلطات المحلية، وهو توزع في إطار التكامل، دولتنا الاتحادية ترعى هذا التكامل وتعمقه وتطوره، وترعى أيضاً توازن التنمية في الإمارات، وهي من وضع قواعد هذا التوازن من خلال إقامة البنى الأساسية والمرافق التعليمية والصحية والاجتماعية وفرص العمل المفتوحة لكافة أبناء الدولة، والمشاريع التنموية تعم كل الإمارات، وما تحققه أبوظبي أو دبي هو في المحصلة لكل الإمارات وأبناء الإمارات، وهذا واقع معاش وملموس.
بالمناسبة، مساهمة إمارتي أبوظبي ودبي في الناتج المحلي الإجمالي أكثر من 85% منذ قيام الاتحاد، أرجو أن تقارن حصص الإمارات في الناتج المحلي الإجمالي منذ العام 1972، ستكتشف حجم نموها الهائل الذي كان الاتحاد موّلده الرئيسي، وسترى أن مساهمة الإمارات الشمالية ارتفعت كثيراً، وأن معدلات النمو الاقتصادي في بعض الإمارات خلال السنوات الماضية أعلى من معدلات النمو في إمارتي أبوظبي ودبي.
عام 2001 كانت مساهمة أبوظبي ودبي حوالي 5ر88%، وقد انخفضت عام 2005 إلى حوالي 85%، معنى هذا أن المواكبة حاصلة، الناتج المحلي للإمارات الشمالية أكبر من ناتج العديد من الدول العربية، بل ومن بعض الدول الخليجية.
* حققت دبي نجاحاً باهراً في السياحة، عندما قهرت حر الصحراء وحوّلته إلى صقيع بارد، وهذا ما نلمسه في المراكز التجارية الكبرى، ما أدهش القاصي والداني، وحقق زخماً سياحياً يسهم في الرقي في اقتصاد البلد، هل بالإمكان نقل تجربة دبي إلى باقي الإمارات بسهولة؟
- الواقع أن معظم الإمارات تسير على خطى دبي، ونحن سعداء بذلك ونتمنى لها النجاح ومستعدون لتقديم المساعدة لمن يطلبها، ربما ميزة دبي أنها منذ عقود مفتوحة لجميع مواطني الإمارات وتعاملهم كأبناء دبي، ويحضرني هنا أن من أوائل المراكز التجارية مركزين لمواطنين من إمارتين شقيقتين، وأن عدداً من الفنادق المهمة لمواطنين من غير أبناء دبي، وأن عدداً من رجال الأعمال الكبار في دبي هم من أبناء الإمارات الأخرى.
* يتحدث الكثيرون عن الطفرة الاقتصادية، ويضعون علامات الاستفهام حول هذه الطفرة، بعضها ايجابي، وبعضها سلبي، هل ترون أن تخوف البعض يعود إلى قصر البصر وعقدة النقص أم ماذا؟
- لكل شيء إذا ما تم نقصان، كما يقول شاعرنا العربي، الآثار السلبية، وأنا أفضل أن أسميها الآثار الجانبية، مصاحبة لكل عمل ونشاط، حتى الأدوية التي يصفها الطبيب لعلاج مرض ما، لها آثار جانبية، للطفرة الاقتصادية آثار إيجابية ضخمة، سواء على مستوى الاقتصاد الكلي أو على مستوى تحسين حياة الناس.
أما الذين يركزون على الآثار الجانبية، ويعتبرونها سلبية، ويحاولون التخويف منها، فهم فعلاً إما قصار نظر يطلقون آراءهم بحسن نية، وإما يعانون من عقدة نقص، وهذه علاجها عسير.
* على الرغم من قلة عدد المواطنين قياساً إلى المقيمين، إلا أن هناك بطالة كبيرة بين أبناء الوطن، من وجهة نظر سموكم، كيف يمكننا القضاء على البطالة بين المواطنين؟
- ليس لدينا بطالة بالمعنى الذي ينصرف إليه الذهن عند الحديث عن مشكلة البطالة، هذه المشكلة بالتعريف العلمي هي نتيجة لعجز الاقتصاد عن توليد وظائف كافية لطالبي العمل، في دولة الإمارات لدينا وظائف بأعداد مضاعفة مرات عدة عن عدد المواطنين في سن العمل، ومع ذلك فإن عدداً لا بأس به من المواطنين لا يجدون العمل الذي يناسب رغباتهم أو مؤهلاتهم، الرغبات مسألة فردية وثقافية، إما تتصل برغبة الشاب أو الفتاة بالعمل فقط في وظيفة حكومية، والبعض يشترط أيضاً أن تكون الوظيفة الحكومية بالقرب من مقر إقامة أسرته، وإما تتصل بموقف الشاب أو الفتاة أو الأسرة من بعض الأعمال كالمصارف والتأمين والضيافة والتمريض، أو حتى العمل في شركات القطاع الخاص بأسره، أما المؤهلات فأمرها معروف، وهذه محل اهتمام كبير من الحكومة، حيث يجري تطوير التعليم وتعميق وتنويع برامج التدريب للتعويض عن نواقص في مخرجات التعليم، أو لتزويد من لديهم استعداد للعمل في القطاع الخاص بالمهارات اللازمة لذلك.
* الاهتمام بالتوطين كان ولا يزال أبرز ما يشغل اهتمامات سموكم، هل تعتقدون بأن القطاع الخاص يقوم بدور إيجابي في استيعاب الأيدي العاملة الوطنية؟ أم أنه متقاعس عن القيام بهذا الدور؟
- إذا لم يكن دور كافة شركات القطاع الخاص إيجابياً، فيجب أن يكون كذلك، أنا أفتخر بسياسات التوطين في عدد من شركات القطاع الخاص والشركات المساهمة العامة، وأفتخر برجال أعمال وضعوا برامج للتأهيل والتدريب وجذب المواطنين للعمل في شركاتهم، وأنا أعرف أن شركات دولية كبرى تتمنى توظيف مواطنين، لأن في ذلك مصلحة مباشرة لها، ولأن تكلفة الموظف المواطن، مهما كان راتبه مرتفعاً، تظل أقل من تكلفة غير المواطن، وأكثر إنتاجية، ولكن يظل بعض رجال الأعمال أقل حماساً من غيرهم لجذب المواطنين إلى شركاتهم، هؤلاء سنشجعهم على امتلاك الحماس، ومن لا يتقدم، لدينا وسائل أخرى لإيقاد حماسه!! المهم أن نمضي قدماً في التأهيل والتدريب، وأنا سعيد بجهود معهد دبي للتنمية البشرية، واللجنة الوطنية لتدريب وتوطين الوظائف، وبقرارات وزارة العمل بتوطين وظيفة مديري إدارات الموارد البشرية، وبإنجازات لجنة توطين العمل في المصارف,
* التركيبة السكانية، الحديث عنها شائع، والحلول لا تتعدى التصريحات!
- أنا أتفهم القلق، وأعرف الهواجس، وموضوع التركيبة السكانية محل اهتمام ودراسة، والحلول ممكنة في المديين المتوسط والبعيد، ولدينا أربعة مداخل للحلول، أولها أن نسبة مهمة من العمالة الوافدة هي عمالة مشاريع يرتبط وجودها بإنجاز مشاريع البناء في الإمارات، وبالمناسبة الولايات المتحدة تدرس هذه الأيام نظاماً جديداً للسماح بقدوم عمالة مؤقتة من الخارج، وسيطلق عليه اسم "نظام العمال الضيوف"، الذين يحضرون بعقود لمدة سنتين أو ثلاث، وهي تدرس هذا الإجراء لحاجتها إلى أنواع من الأيدي العاملة لا توفرها تصاريح الهجرة السنوية محدودة العدد ولا تصاريح "صيد العقول"، التي تستهدف جذب كفاءات عالية في التكنولوجيا والطب والهندسة.
أما المدخل الثاني، فيواكب عملية انتقال اقتصادنا من الاقتصاد التقليدي المعتمد على العمالة الكثيفة، إلى اقتصاد المعرفة المعتمد على الميكنة والتكنولوجيا الحديثة والعمالة الماهرة.
والمدخل الثالث هم أبناؤنا الداخلون في سن العمل، إن أعدادهم في تزايد سنة بعد أخرى، فمجتمعنا شاب، والأجيال الجديدة منفتحة على القطاع الخاص.
أما المدخل الرابع، وهو الذي تدرسه الحكومة الآن، فيكمن في العمل على رفع نسبة التكاثر الطبيعي للمواطنين من خلال حوافز تشجع على زيادة النسل، وتمنح الأسر الكبيرة ميزات إضافية.
* هل لديكم قلق من تفاقم نبرة الحديث عن ثقافة البلد في ظل التركيبة السكانية وتزايد الأجناس، التي يفوق بعضها أبناء الإمارات؟
- التركيبة السكانية لها تأثيرات ثقافية، لكن مكونات ثقافتنا الوطنية أصيلة وعميقة ومتجذرة، وتملك مصدات كافية لرد التأثيرات السلبية، والقلق على الثقافة ظاهرة عالمية مصاحبة للعولمة وتقدم تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، في فرنسا قلق على الثقافة الفرنسية، وفي اليابان قلق على الثقافة اليابانية، وفي كل الدول العربية قلق على الثقافة العربية، مواجهة هذا القلق تكون بتنشيط العمل الثقافي وتوسل الأدوات الحديثة في إيصاله إلى الناس وإثارة اهتمامهم به، وبخاصة إثارة اهتمام الأجيال الجديدة المتآلفة مع الإنترنت والفضائيات، والمطلعة على أنماط الحياة والترفيه والتسلية ذات البعد الكوني، كالموسيقى والسينما والرياضة.
* في الإمارات وزارات اتحادية خدمية، وهناك مجالس للتعليم والصحة والرياضة، أين وجه التعارض؟ وأين حلقة التواصل في هذه المتناقضات؟
- لا أرى وجهاً للتعارض، فمجالس التعليم والصحة والرياضة تدعم الوزارات الاتحادية، وخذ مثلاً مجلسي التعليم في أبوظبي ودبي، المجلسان أعدا رؤى وتصورات وخططاً وضعت بتصرف وزارة التربية والتعليم، بل إن وزير التربية كان مديراً لمجلس أبوظبي للتعليم، أنا أؤمن بالمركزية في التخطيط والسياسات واللامركزية في التنفيذ. التشريعات والقوانين الأساسية في التعليم والمناهج، تطبق على مستوى الدولة الاتحادية، ما الذي يمنع من مساعدة السلطات المحلية أو توليها التطبيق؟، والأمر نفسه بالنسبة للخدمات الصحية، القوانين الأساسية، مراقبة الأدوية والتصريح بتداولها، وغير ذلك يطبق على مستوى الاتحاد، ويمكن أن تقوم السلطات المحلية بالتنفيذ كلياً كما في أبوظبي، أو جزئياً كما في دبي، وقد تقوم السلطة الاتحادية بالتنفيذ الكلي أو الجزئي في إمارات أخرى.
* الإمارات في ظل نظامها السياسي المستقر تعيش عصرها الذهبي، أمناً واستقراراً ونهوضاً، كيف ترون الانتخابات المقبلة؟ وما الإضافات التي يمكن أن يقدمها المجلس الوطني المنتخب للدولة الاتحادية؟
- انتخابات المجلس الوطني خطوة تأسيسية مهمة على الطريق، خطوة مناسبة في طبيعتها وفي وقتها، وهي نابعة من واقعنا ومن ظروفنا التي نحن وأبناء وطننا أدرى الناس بها،
إيماننا بالشورى والمشاركة جزء من تكويننا ومن قيم حياتنا، مارسه أجدادنا في مجالسهم، ومارسه آباؤنا في مجالسهم، وحرصوا على تطويره بما يتلاءم ومرحلة بناء الاتحاد من خلال الوجود الدستوري للمجلس الوطني الاتحادي منذ قيام الدولة، واليوم نتقدم خطوة أخرى نعلق عليها آمالاً كبيرة، لأنها خطوة تأسيسية لما سيليها من خطوات، ونرجو للمجلس الوطني في تشكيله الجديد المقبل أن يساهم في التأسيس لحياة نيابية متكاملة الأركان، كما أراد آباؤنا ودونوا في مقدمة دستور الدولة الاتحادية.
* الإمارات بلد حر، والحرية سمة من سمات ثقافته الأصيلة، لكن البعض من المسؤولين يعاني الأمرين من تناول المشاكل التي تدور في إدارته أو مؤسسته في الصحافة، كيف ترون علاج المشكلة؟ وهل ترون أن الصحافة لم تلعب دورها الريادي حتى الآن؟
- أنا أقول دائماً للإعلاميين انشروا كل ما تتثبتون من صحته ودقة معلوماته، وعندما تتناولون مشكلة ما، أعطوا كافة الأطراف المعنية بالمشكلة حقها في إبداء رأيها وموقفها، ولا أظن أن تناولاً متوازناً وموضوعياً ودقيقاً لأية مشكلة في أي إدارة أو وزارة يستدعي غضب المسؤول المعني، وإذا قام الصحافي بعمله على الوجه الذي أشرت إليه، فليس له أن يهتم لغضب المسؤول.
أما هل الصحافة لعبت دورها الريادي أم لا، فالصحافة تقوم بدور لا بأس به، لكن باستطاعتها أن تؤدي أفضل، نحن بحاجة إلى تطوير مستوى الصحافة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا يتطلب تطوير مستوى الصحافيين ووجود صحافيين متخصصين في الاقتصاد والتعليم والشؤون الصحية والرياضية، وغيرها، ونحن بحاجة إلى معالجات أعمق لقضايا التنمية الشاملة ولعدد من الظواهر المتصلة بقيم العمل والسلوكيات والمظاهر وغيره. مهمة الصحافة هي البحث عن الحقيقة، لذلك يجب أن تبتعد عن الشعارات الطنّانة والمعالجات السطحية، ثقتي كبيرة بأن صحافتنا ستتقدم مع ازدياد أعداد أبنائنا المتخرجين من كليات الإعلام والاتصال، وازدياد أدوارهم في مؤسساتنا الإعلامية، وتطور الإدارة الصحافية في هذه المؤسسات.
* فتح باب الانتخابات آفاق الأمل لدى الناس، ولكن هناك خشية من تغلغل عناصر تستغل هذه الفرص التاريخية لأغراض بعيدة عن المطالب الوطنية؟
- نحن نفترض حسن النية بالجميع، ونعتمد على وعي المواطنين وحرصهم على مصالح وطنهم وصدق ولائهم وانتمائهم لهذا الوطن، ولا شك عندي في أن المواطنين سيلفظون كل من يحاول الانحراف عن الولاء والانتماء للوطن، أو يرتكب ممارسات شاذة عن قيمنا وتقاليدنا. إن التفاعل والتواصل بين الأجهزة الحكومية والمواطنين كفيل بإنجاح هذه الفرصة التاريخية، وفي كل الأحوال، لا الدولة ولا المجتمع يسمحان بأي انحراف عن المطالب والمصالح الوطنية.
* بغياب العراق، ودخوله في نفق التدهور السياسي والاقتصادي، فقدت المنطقة عمقاً استراتيجياً مهماً، خاصة في ظل تنامي قوى إقليمية تحاول أن تفرض نفسها كقوة نووية، أصبح الخليج العربي يعاني من التكتل الرادع لأي أطماع، ومجلس التعاون لم يخرج بعد من الجواز الواحد وبطاقة التنقل، وهذه مطالب جزئية لا تلبي جزءاً يسيراً من مطالب أبناء التعاون، ألا ترون سموكم أن القطار يسير سريعاً، وقرارات مجلس التعاون لا تزال تتوقف عند الإشارة الحمراء في مسألة التلاحم الاستراتيجي؟
- هذا سؤال مهم، نعم التوازن في المنطقة مختل، وحتى قبل تدهور الأوضاع في العراق لم يكن التوازن موجوداً، وأكثر من ذلك، حين كان العراق قوياً قبل حربه مع إيران وغزوه للكويت، لم يكن التوازن الإقليمي في أحسن حالاته. موضوع الأمن في منطقة الخليج كان مطروحاً بقوة منذ أواسط الستينات، وقد شهدت المنطقة ثلاث حروب كبيرة خلال ثلاثة عقود، وكان العراق طرفاً في هذه الحروب، ودفع العراق الوطن والشعب ثمناً باهظاً، ومع الأسف إنه ما زال يدفع، والمخاطر التي تكتنف الوضع في العراق كبيرة ومخيفة.
أما بالنسبة لمجلس التعاون، فقد حقق إنجازات مهمة في موضوع مواجهة الأخطار الخارجية التي تتهدد أحد أعضائه، كما حدث في تحرير الكويت، وفي الجانب الاقتصادي تحققت منطقة التجارة الحرة والاتحاد الجمركي، ونحن على أبواب السوق المشتركة التي نأمل أن تقوم في الموعد المقرر لها في العام المقبل، هل يستطيع المجلس تحقيق إنجازات أكثر؟ أقول نعم يستطيع، ونأمل أن يتم استكمال اعتماد البطاقة الشخصية في التنقل بين كافة دول المجلس، لأن هذا الاستكمال يعني أن تقدماً كافياً قد تحقق في التنسيق الأمني، وفي أنظمة الاتصال الإلكتروني بين موانىء الدخول البرية والبحرية والجوية، وفي قواعد البيانات الموحدة. استكمال التنقل بالبطاقة إنجاز مهم، أما الجواز الموحد فأقل أهمية، علماً أنه تم توحيد مواصفات الجوازات، الاتحاد الأوروبي الذي وصل إلى صيغة متقدمة في مجالات التوحيد، لم يطرح الجواز الأوروبي الموحد، كان الأهم بالنسبة لدول الاتحاد التأشيرة الموحدة، وقد تحققت منذ سنوات عدة، والعملة الموحدة وهي تحققت منذ سنوات عدة، واليوم اليورو عملة دولية تنافس الدولار في المبادلات الدولية المالية والتجارية، ونحن يجب أن نعمل كل ما يلزم لتحقيق الاتحاد النقدي وفق الموعد المحدد، وهو العام 2010.
* الدور العربي غائب في القضايا العربية الجوهرية، العراق- فلسطين- لبنان- السودان- ولم يبق إلا مصالح الدول الكبرى تحرك أحزاباً، وتحرضها في هذا البلد وذاك، ألا تعتقدون أن ذلك قد يؤدي إلى تحويل المنطقة العربية لأحزاب تتحرك بفعل فاعل، متجاهلة سيادة الأوطان ومقدرات الشعوب؟
- نعم الدور العربي هامشي في القضايا العربية الجوهرية، وأحد أسباب التهميش الرئيسية أصحاب هذه القضايا أنفسهم، أنظر إلى الأوضاع الداخلية العراقية والفلسطينية واللبنانية والسودانية، كيف يكون دور عربي فاعل في ظل الانقسامات والخصومات والمنافسات والحروب الأهلية السياسية والعسكرية؟ أما الدول الكبرى، فمن الطبيعي أن تسعى إلى تحقيق مصالحها بكل السبل المتاحة أمامها، وهي إن وجدت في داخل إحدى الدول العربية من يلجأ إليها أو يطلب مساعدتها أو يستقوي بها، ستكون سعيدة بذلك، لكني واثق كل الثقة أن الناس ينفرون من الأحزاب أو الحركات أو الجماعات التي لها ارتباط بدول أجنبية كبرى أو صغرى، مثل هذه الأحزاب والحركات غير قادرة على التأثير الفعال في مجتمعاتها، قد تشاغب ويرتفع صوتها، لكن الناس أذكياء وغالبيتهم الغالبة تنفر من أي نشاط سياسي أو اجتماعي أو ثقافي له ارتباطات أجنبية.
* بعض قضايانا الشائكة، وأهمها الجزر المحتلة، كيف ترون سموكم إخراجها من حلقة "سوء الفهم الإيراني" إلى طاولة المفاوضات المباشرة؟
- موقفنا من قضية جزرنا المحتلة واضح ومعروف للقاصي والداني، وهو يستند إلى واقع قانوني وحقوقي، ومطروح دائماً على أجندة الاجتماعات الخليجية والعربية والدولية، أما الحل، فهو حتماً سيكون حلاً سلمياً يستند إلى المواثيق الدولية، ويراهن على روابط التاريخ والجغرافيا والدين مع جمهورية إيران الإسلامية.
* ما هو دور الأمم المتحدة، التي غاصت في كل شاردة وواردة في أنحاء العالم، عدا جزر الإمارات؟
- ملف قضية الجزر مودع في الأمم المتحدة، ولا نرى أنه من المناسب تدويل هذا الملف، الأمم المتحدة خيار أخير، ونحن نفضل الحوار المباشر أو بمشاركة أخواننا في دول مجلس التعاون، وفي كل الأحوال، المواقيت مهمة في أي تحرك أو إجراء، ونأمل أن تنضج الظروف لاستئناف المفاوضات مع إيران حول جزرنا الثلاث.
* الحلم العربي في الوحدة السياسية أصبح شيئاً من الماضي، ولكن ألا ترون هناك بريقاً في تكامل اقتصادي يضع الوطن العربي على عتبة كتلة اقتصادية موازية للتكتلات الاقتصادية الكبرى، مع العلم أن المقومات متوفرة ولا يبقى غير الجهد؟
- مجالات العمل العربي المشترك واسعة، وكنت قد اقترحت عقد قمة اقتصادية عربية سنوياً، وتنشيط التعاون الاقتصادي العربي كمدخل مضمون لتنشيط وتحقيق التعاون العربي في المجالات كافة، لكن مع الأسف معظم الدول العربية لا تولي التعاون الاقتصادي الأهمية التي يستحق، وكثير من الدول العربية تفّوت فرصاً كبيرة في هذه المرحلة بالذات لجذب استثمارات عربية كبيرة إلى اقتصاداتها. لا يكفي أن تكون النوايا طيبة والدعوات صادقة لجذب الاستثمارات العربية، الأهم هو خلق البيئة المناسبة، وهذا لا يتحقق فقط بإعداد التشريعات ووضع الحوافز والإعلان عن إصدار تراخيص المشروعات خلال بضعة أيام، لا بد من تطوير الإدارة التنفيذية التي غالباً ما تضع العراقيل أمام تنفيذ المشاريع الاستثمارية، بما في ذلك الحاصل منها على التراخيص اللازمة وبسرعة.
لطالما قلت لزعماء ومسؤولين عرب، إن الممولين العرب تواقون للاستثمار في البلدان العربية، فهيئوا لهم بنية استثمارية مناسبة، ونحن في الإمارات لا نتأخر عن توجيه استثمارات مهمة إلى الدول العربية التي يتوفر فيها مناخ استثماري حتى في الحد الأدنى، والاستثمارات الإماراتية، سواء الحكومية أو الخاصة، موجودة بقوة في عدد كبير من الدول العربية، وهي تصطحب معها الخبرة والمعرفة والنظم الإدارية المقدمة، فتساهم أيضاً في تحسين بيئة الاستثمار في تلك الدول.