مقالات عن سـمـوه - 21 مارس, 2017
قائد يلهم أمة
الفرق بين قراءة كتاب لقائد، صاحب فكر متين ورؤية ثاقبة، وقدرة على إلهام شعب، ولن أكون مبالغا إذا قلت إلهام أمة بأسرها ترى فيما قدمه أملا وفي تجربته نموذجا فريدا لتحويل الأحلام إلى حقائق، الفرق بين قراءة ذلك المنحى من الكتابات وبين القراءة لمن يمتهن الكتابة سواء الاقتصادية أو السياسية أو الشعرية والأدبية كما الفرق بين مشاهدة لوحة فنية جميلة، تجذب الأنظار.
ويقف الناس أمامها طويلا بالتأمل في جمال خطوطها، ودقة تفاصيلها، وانسجام مكوناتها، وعمق معانيها، وروعة دلالتها، وعظيم تأثيرها، وقوة بقائها في الذاكرة، الأمر الذي قد يجعل البعض يضحي بالملايين ليقتنيها، وبين أن تجد تلك اللوحة الفنية البهية واقعا معاشا تسير في جنباتها وتلمس مكوناتها وتستمع بمسارتها، وبدلا من أن تكون مشاهدا لها تصبح جزءا منها ومكونا أساسا فيها، إنه الفرق بين تلك المدينة الفاضلة، التي تخيلها أفلاطون في فلسفاته رؤية نظرية، وبين أن تكون تلك المدينة واقعا يعيشه الناس أو يحاولون الوصول إليه دون تردد أو وجل.
أقول الفرق بين القراءة لتأملات قائد خاض معارك شتى على جبهات البناء بشقيه المادي لتجويد الحياة لشعبه، والبناء النفسي ليضع الأطر كيف يمكن الاستمتاع بذلك البناء، في الوقت الذي نعد فيه أجيالا قادرة على الحفاظ عليه، والدفع به ليصبح العمل والنجاح هواية تعشقها الأجيال وليس أداء لما هو معتاد منها لكسب أسباب الحياة بشكل مريح.
إن الفرق بين التطواف في تأملات قائد كتب كلماته بمداد من الجهد المتواصل والعمل الدؤوب، والإصرار الذي لا يعرف معه تردد، والإرادة التي لا تعرف اللين، وبين القراءة لكاتب يخوض معارك فكرية عبر نظريات فلسفية، هو الفرق بين من يحلق في السماء ليرى هدوء المشهد من علٍ وبين من يهبط على أرض الواقع ليطبق ما سبح به فكره وذهب به خياله.
وفي الواقع يتعامل مع تعقيدات عز أن توجد في الخيال، وتحديات قد تنهي كل الأمنيات. إن مسؤولية القيادة لا تجعل لديه رفاهية وترف الفكر، لكنها تحمل صاحبها مع الفكر رؤية واقعية، ومع الأحلام حقائق، ومع النظريات قوانين يستند إليها الناس في تسيير شؤون حياتهم وتدبيرها.
الفرق بين القراءة لقائد كان الفكر وراء العمل والتخطيط خلف الجهد والرؤية سابقة للواقع والإرادة دافعة للتطبيق، والتطبيق له أثر في إسعاد الناس، وسعادة الناس وقود لمزيد من الجولات، وفي كل جولة تفرد وتميز قدم نموذجا ملهما، أقول الفرق بين أنك قد تقرأ لكاتب أو مفكر سياسي أو أديب أو عالم نفس أو خبير في التنمية البشرية أو في الاقتصاد أو التخطيط الاستراتيجي أو قل ما شئت، غير أنك تسير معه في تخصصه كمن يتذوق طعاما واحدا طوال الوقت، غير أن القائد الحقيقي المعني بالحفاظ على مكتسبات مسيرة دولة والانطلاق بها.
وتدبير أمور شعبها في حياة أفضل، وتكوين أجيال قادرة على السير مع موكب البناء، هنا تجد نفسك أمام مفكر حين تتفحص رؤيته ونظرته للمستقبل وكيف يرى مستقبل شعبه، وأمام عالم في التخطيط حين تتفحص أن آماله لم تتوقف عند الأمنيات والأحلام.
لكنه حدد ملامح الوصول إليها، وأمام أديب وشاعر حين تجد أن رؤاه حالمة يجعل من إسعاد الناس غاية بعيدا عن كل الأرقام التي يضج بها الفرد ويصعب على المواطن في كثير من الأحيان أن يفهم دلالاتها، ومنظر سياسي يدرك كيف يكون له ما أراد ولو كان مستحيلا، ورجل اقتصاد من طراز فريد يستشرف المستقبل ويرى فرص النجاح ماثلة أمامه ويأخذ القرار بالدخول فيها، ثم تجد نفسك أمام عابد جعل من مصلحة شعبه محرابه وتحقيق آماله قبل ذلك وبعد ذلك معلقا بتوفيق الله.
كل تلك الأفكار والخواطر اقتحمت فكري مع كل صفحة من تأملات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في كتابه «تأملات في السعادة والإيجابية»، تلكم الوثيقة التي ما أن بدأت أقلب في أول صفحاتها حتى وجدتني رغما عني عاجزا عن التوقف، رغم أنها كانت ساعات من الليل متأخرة حين يسكن الكون وتصفوا الروح وتتهيأ النفس للتلقي، غير أن وقوفي عند أبواب الكتاب أنها لم تجعل للنوم طريقا إلى أجفاني رغم حنو كلمتها وشاعريتها.
كما الوالد عندما يريد أن يعطى لولده دواء دون أن يشعره بقسوة طعمه، المتمثلة في التحديات التي واجهت مسيرة دولتنا، وطوف بنا فيها سموه منطلقا من ماضٍ كانت قسوته دافعا للتحدي والبناء، وحاضر لن تكون نجاحاته سببا في الخلود إلى الدعة والراحة.
إن كتاب تأملات في السعادة والإيجابية وثيقة وطنية ومنهاج عمل عبقريته، إنه أسس لمنحى غير مسبوق في العمل الوطني إقليميا وعالميا حين تكون الإيجابية سببا للتقدم، ويكون المستحيل وجهة نظر، وأن فرص النجاح لا يراها أصحاب النظارات السوداء.
إن هذه الرؤية النافذة، والتي جعلت من التأملات واقعا معاشا، يجب الوقوف أمامها طويلا بالنظر والتأمل حتى يرى أبناؤنا كيف أن عزائم الرجال تفعل المستحيل، وأن أحلام الأمس هي واقع اليوم.
بقلم: د. خالد الخاجة
صحيفة البيان