البحث شعبية

محمد بن راشد والشعر النبطي

 بدأ الشيخ محمد في نظم الشعر النبطي وهو لا يزال بعد في المدرسة. ويقول إن أكثر من تأثر بهم في تطور هذه الموهبة الشعرية لديه هما أبوه - المغفور له بإذن الله - الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، ورئيس الإمارات العربية السابق - المغفور له بإذن الله - سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ففي شبابه، حينما كان يسافر مع أبيه الشيخ راشد، كان الشيخ محمد كثيرًا ما يصطحب معه بعض المختارات الشعرية (ويشير إلى أن المتنبي وأبا تمام كانا شاعريه الكلاسيكيين المفضلين) ليقرأها أثناء الرحلة؛ الأمر الذي زاد من مخزونه الشعري الواسع.

 

وعندما نشرت قصائد الشيخ محمد للمرة الأولى في الصحف، ظهرت القصائد بأسماء مستعارة - منها نداوي وسليط - لأنه كان حريصًا على أن يعتقد الناس بصدق أن شعره جيد، وأن الصحف لا تنشر أشعاره؛ لأن مؤلفها أحد أفراد الأسرة الحاكمة. وحظي بتشجيع مبكر من الشاعرة الشهيرة "فتاة العرب" عندما كتبت ردًّا على واحدة من قصائده الأولى، وهو شرف قلما يحظى به شاعر مبتدئ. واليوم ترسخت مكانة الشيخ محمد على نطاق واسع بوصفه واحدًا من أبرز رواد الشعر النبطي، وأصبح ينشر أعماله باسمه الحقيقي. وقد تصدر ديوان لأشعاره باللغة الإنجليزية بعنوان "قصائد من الصحراء" - قوائم أكثر الكتب بيعًا لأكثر من عامين.

 

إن الشعر قد مكّن الشيخ محمدًا من التعبير عن الجانب الإبداعي المرهف من شخصيته؛ ذلك الجانب الذي لم تكن الفرصة تسنح له كثيرًا للظهور في المضمار السياسي. ويتناول الشيخ محمد في أشعاره عددًا متنوعًا من الموضوعات؛ بدءًا بالعاطفي، في قصائد مثل "رمز الحب" والعاشق المحروم في قصيدته "وعد"، انتهاءً إلى الشؤون الراهنة؛ لينتج في أغلب الأحيان قصيدة عن حدث مهم بعد سويعات من وقوعه، مثل قصيدته "إلى روح الشهيد الطفل محمد الدرة" عن الطفل الفلسطيني الشهيد محمد الدرة الذي استشهد قرب معبر نتساريم في مدينة غزة في الثلاثين من سبتمبر من عام 2000م، وصوَّر الحادث طاقم تصوير وعرضه في مختلف أنحاء العالم. وتحتوي قصائده على كثير من الحِكَم التي تبصِّر القارئ بفلسفته، مثل:

 

ما أغلى النهار إن الليالي تضده        لو كان سرمد ما أظنه بينطاق
يْزيد غلا اللؤلؤ صعوبة مكده            لو هو رخيص ما يعلق في الأعناق
وحتى ربيع الوقت لو طال مده          ما شفت يا خلي له الناس تشتاق

 

وفي "قصيدة الأقصى لنا عايد" يؤكد قيمة الحق المطلقة، وضرورة الإيمان بشرعيته:

 

ايْفــوز من يصمـــدا     وعــن حَقَّه يْجاهــــــِد

 

ويميل الشيخ محمد في شعره إلى تناول موضوعات لها علاقة أكبر بالأحداث العامة منها بالمسائل الشخصية. وكما قال الشيخ محمد: إن "الموضوعات الأقرب إلى قلبي هي تلك الأقرب إلى الناس". ومن هنا فقد كتب كثيرًا من القصائد عن الشيخ زايد والشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم؛ مشيدًا بقيادتهما الحكيمة للإمارات العربية المتحدة.

 

وهناك موضوعات رمزية عديدة تتكرر في شعر الشيخ محمد؛ فكما يتوقع المرء من شاعر إماراتي، فإن الصحراء أقرب إلى قلبه. وقد قال إن الصحراء قد علمته "الصبر والمثابرة" وتبرز هاتان السمتان في قصائده، كما يستطيع المرء أن يرى في قصيدته "عليهم صابر والصبر طوّل". كما يتكرر البحر في أشعاره كرمز مثل:

 

موجكم طامي وأنا بلجه غريج        في بحور موجها غزر العموق

 

كما تعد الحياة البرية في المنطقة جزءًا مهمًّا من المفردات الشعرية للشيخ محمد. ويشيع استخدام الغزال في الأدب العربي كرمز للجمال: "منظر غزال نافر".

 

كما يستخدم الصقر المسمى بالصقر الحر كرمز للجمال (مثلما في "وعينه مثل عين الحر لآكحل") وإن كان يستخدم أيضًا رمزًا للشجاعة والسلطة: "إنت يا حر تعود الانقضاض صايده دايم إذا أومى دمي".

 

 وفي مسعى منه لنشر الوعي بالتراث الثقافي لأمته؛ شارك الشيخ محمد في عدد من "المسابقات" الشعرية مع غيره من كبار الشعراء في المنطقة بمن فيهم الشيخ زايد والشيخ خالد بن فيصل من السعودية. وفي هذه المسابقات يقوم كل شاعر بالرد على أشعار الشعراء الآخرين التي يمكن أن تكون مكتوبة أو شفوية. ويعلق الشيخ محمد على هذه المسابقات قائلاً: "الشعب قدَّر هذا النوع من الفن الشعري كثيرًا؛ لأنه يستثير روح التنافس بين الشعراء. أنا أدعم وأشجع هذه الفن؛ لأنه يحقق التواصل بين الشعراء".

 

كما حاول الشيخ محمد تشجيع الآخرين على نظم الشعر النبطي من خلال ألغازه؛ حيث يقوم بنظم قصيدة تتضمن أسئلة عديدة، على نقيض الألغاز الغربية التقليدية ذات السطر الواحد، ويدعو الناس لمحاولة حلها. لكن لا بد أن يرسلوا الحلول على هيئة قصائد من الشعر النبطي تضاهي أسلوب قصيدة الشيخ محمد الأصلية. ويتم تقديم جائزة كبيرة لكل من ينجح في حل اللغز، وقد تجاوب الكثيرون من مختلف أنحاء العالم العربي مع هذه الأحاجي؛ حيث تم استقبال أكثر من 12000 رد على اللغز الخامس.

 

وقد أبدع الشيخ محمد بالفعل مجموعة كبيرة من الأعمال ولا يزال ينظم الشعر النبطي كلما سنح له الوقت؛ حيث يحرص على ألا يتذكره الناس فقط كقائد حالم وفارس متمكن؛ بل ولتراثه الثقافي كذلك.